عندي اليوم لكم حدثان منفصلان من حيث المكان والتفاصيل ولكنهما متشابهان من حيث فكرة الاقصاء والتفرد بالرأي وفرض الاخلاقيات على الاخرين بحجة الدين والاخلاق و العادات والتقاليد.

اعترضت و بشدة على اتساع رقعة الاحتفال بعيد القديسين او الهالاوين في الاردن ولم يعجبني ازدياد التجارة برغبة الناس بالاحتفال بهذه المناسبة. كان قصدي من الاعتراض امران الاول وهو الاهم ان الاعياد بدأت تأخذ طابعا امريكيا بالتحديد دون غيره من الثقافات العالمية. اما الثاني فهو اننا لا نعني الجيد من عاداتنا اهتماما بالقدر الكافي ولا نطورها لتصبح احتفالات تجذب اهتمام اطفالنا وتثري خيالهم.

لست من من يدعون الى الانغلاق وعدم الاحتكاك بالثقافات الاخرى ولا تعجبني الدعوة الى صفاء الموروث من كل ما هو دخيل، فلطالما انتج تداخل الثقافات ابداعات عالمية نقدرها ونحترمها جميعا، ولكنني كنت ارجو بعض التعقل في مستوى الاتجار في الاحتفال ولكنني الان وفي ضوء المستجدات لن ادعو الى ذلك مطلقا اذ فوجئت صباح يوم الخميس الماضي وعلى مدى الايام القليلة الماضية بمن يتهم المحتفلين بالهالاوين بعبادة الشيطان واخرون يتهمونهم بأنهم ليسوا اردنيين ولا اود ان اكون في صف هؤلاء بأي شكل. ويل لنا اذ اصبحنا نحاسب بعضنا بعضا وكأننا مفوضون بالحساب من رب العباد

اما الحدث الثاني فلم يحظى بالاهتمام الكافي وقد يكون السبب في ذلك هو ان اولئك الذين نصبوا انفسهم كحراس لأخلاقيات المجتمع واعني هنا التيار الاسلامي تحديدا نالوا مرادهم حيث تم يوم الخميس الماضي الغاء حفل موسيقي في مدرج الفراهيدي في كلية الاداب في الجامعة الاردنية اثر ضغط من هذا التيار. الحفل كان من تنظيم المركز الثقافي الالماني (معهد غوته) بالتعاون مع قسم اللغات الاوروبية في كلية اللغات الاجنبية في الجامعة وهو حفل حصل على موافقة رئاسة الجامعة حيث يقع ضمن اتفاقية التعاون بين المعهد والجامعة والتي تهدف الى عرض الثقافة الالمانية بكافة جوانبها على طلاب قسم اللغات.

ضمن تفاصيل الحدث ان مجموعة من الطلاب المنتمين للتيار الاسلامي قاموا بقطع التيار الكهربائي عن المدرج دون اي مراعاة لحقوق باقي الطلاب الذين اختاروا حضور الحفل. وامعانا من المعترضين على الحفل في اعتراضهم اقاموا اعتصاما امام القاطع الكهربائي مما منع ادارة الكلية من اعادة تشغيل الكهرباء واستئناف الحفل واضطرت الفرقة الموسيقية القادمة من المانيا الى المغادرة. المدرج كما فهمت بعيد عن القاعات التدريسية ولم تؤثر الحفلة على سير العملية التعليمية في الكلية وقد كان هذا احد جوانب الاعتراض. اما الجانب الاخر فكان الجانب الاخلاقي وكأن طرفا واحدا يملك الاخلاق ويدافع عنها.

سادتي الكرام ليس من حق احد ان يملي على الاخرين نمطا اخلاقيا واحدا وان كان ذلك تحت غطاء الدين. ومن يريد ان يرقص ويغني كما يحلو له فله ذلك ومن من لم يرد ذلك فليس مضطرا. ان سمحنا اليوم بأن تقوم مجموعة بالاستقواء على اخرى بحجة الاخلاق فسنسمح غدا بأن تمنع السينما و المسرح بحجة الاخلاق ايضا اما الاداب والعلوم فحدث ولا حرج.

ختاما لن اعترض من الان فصاعدا على الاحتفال بعيد القديسين وسأشارك بالقدر المستطاع بالحفلات الموسيقية. وقد اشارك في احتفالات الهالاوين العام المقبل مرتديا لحية زائفة ودشداشا قصيرا. اود ان ابدي اعتذاري لأعضاء الفرقة الموسيقية الألمانية الذين حلوا ضيوفا على الاردن ولم يجدوا كرم الضيافة و انا كمان اسف يا هالاوين

معاد نشره من موقع وسط البلد